محمود الكاشغري... رحلة العلم من الصين الى بغداد
محمد مهدي بيات
11/02/2011
قراءات: 205
احتفل العالم التركي في نهايةعام 2008 ذكرى مرور الف عام على ميلاد اللغوي الكبير محمود بن الحسين بن محمد الكاشغري مؤلف كتاب ديوان لغات الترك وقد اعتبر اتحاد اوراسيا للكتاب في تركيا عامهم هذا باسم عام محمود الكاشغري كما اقام المجمع اللغوي التركي مؤتمرا عالميا لالفيته تحت شعار محمود الكاشغري في ميلاده الالف وقد اشتركت لهذا المؤتمر مع تقديم بحث و الذي اقيم في العاصمة التركيه انقره
لا نعرف تاريخ ميلاده ووفاته على وجه اليقين واكثر الظن انه ولد في حدود سنة1008 م في قصبة اوبال الواقعة 45كم في الشمال الغربي لمدينة كاشغر عاصمةالدولة الاويغورية في تركستان الشرقية او في مدينة بارصاغن على اختلاف الروايات ثم استقر مع والده لسبب ما في مدينة كاشغر كبرى مدن تركستان الشرقية و توفي في سنة1105م ودفن في قرية اسمها ووبارفي كاشغر وقبره مزار على شكل قبه اسلاميه مخروطي الشكل على قمة جبل وور يمر من تحت الجبل نهر ووبار
تقع مدينة كاشغر في اواسط بلاد الترك وتعتبر مركزا تجاريا وثقافيا مهما حيث يمر بها طريق الحرير المشهور وهذا الطريق كان يربط الصين بالدولة البيزنطينية ولها مركز تجاري مهم مع روسيا من جهة والصين من جهة ثانية وبلاد ماوراء النهر من جهة ثالثة وهي مشهورة بمنسوجاتها الصوفية ولها دور كبير في تاريخ الحضارة الاسلامية.
عاش محمود الكاشغري في القرن الخامس للهجرة, تلقى تعليما جيدا في المدرسة الحميدية والمدرسة الساجية العالية في كاشغر على يد علماء زمانه امثال حسين بن خلف , درس النحو والمنطق والفلسفة والفلك والطب وعلم اللغة وتزود من كل علم شيئا فاصبح موسوعيا في العلوم العقلية والنقليه كما تعلم الفروسية والرماية وقد اثنى محمود الكاشغري في كتابه على نفسه قائلا (انا ابرع الترك في فنون الكلام واكثرهم فتنة وذكاء وشجاعة باجادة لفنون الحرب) ثم انتقل بين مدن المراكز الاسلامية التركية مثل نيسابور وسمرقند وبخارى ثم ترك كاشغروهوفي التاسعة والاربعين من عمره مرتحلا وغادرها في سنة 1058 وجال جميع مدن اواسط اسيا والاناضول لمدة 15عاما لدراسة اللهجات التركية وقد اشار الى ذلك في كتابه الديوان ( قمت بالدراسات الاستطلاعية حول اللغه التركية الخاقانية في قبائل الترك حيث حفظت ذلك عن ظهر قلب كما زرت جميع مدنهم وقراهم وسجلت لهجات القبائل المختلفة ) وكانت حصيلة هذه الرحلة كتابه العظيم ديوان لغات الترك ثم استقر في بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية حيث بدا بالتاليف عام 1072 م باللغة العربيه وهو في سن الشيخوخه واكمله في عام 1075 م في زمن الخليفة العباسي القائم بامر الله واهداه الى الخليفة العباسي المقتدي بامر الله . الكتاب موسوعة شاملة في اللغة والادب والجغرافية والتاريخ ومصدر مهم في تراث الترك الثقافي والاجتماعي وهو معجم ثنائي اللغه تركي- عربي يحتوي على 7500 كلمه تركيه مشروحة باللغة العربية او ما يقابلها صنفه على منوال الكتب العربية انذاك ورتب اسماءه ترتيبا هجائيا وقد استخدم الكاشغري في كتابه هذا المنهج المقارن في دراسة اللغة مقارنة بين لغات الترك والعرب وذلك قبل 800 عام من ظهور علم اللغات المقارنة وبذلك يعتبر رائدا في هذا المجال واورد الكاشغري كلمات من مختلف لهجات اللغة التركية الشرقية كالخاقانية والاويغورية والاوغوز والقبجاق والقوزاق والقرغيز وشواهد كثيرة في فنون الادب الشعبي التركي من نثر او شعر او رجز او حكمة او عادات وتقاليد ودون ايضا بعض القصص الادبية والقصائد والاغاني والامثال وفي الديوان 237 قصيدة و279 مثلا و20 قصة شعبيه ولا يخلو الديوان من اشارات الى مستجدات الحياة من زراعة وطب وملابس ومجوهرات واشغال يدوية و الموقع الجغرافي وطبيعة انتشار الاقوام التركية فيها جغرافيا مع دراسة دياناتهم قبل الاسلام كالشامانية والطوطميه وغيرها مرفقا بها خريطة لاماكن انتشار القبائل التركية في المنطقة ولهذا يعتبر الكتاب مرجعا مهما لدراسة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الدولة القرخانية وقد اعتمد العرب والترك حتى الفرس فترة طويلة على هذا المعجم من حيث تعلم اللغة التركية ودراسة طبائعهم . وقد ذكر ا لمؤلف ان الهدف من تاليف هذا الكتاب هو تعليم اللغة التركية للعرب قائلا (لكي تستطيع ان تشرح للتركي مقصودك ولكي تستمليه ما من سبيل امامك الا ان تعرف لغته وتخاطبه بها ) وقد استشهد بذلك احاديث نبوية ضعيفة السند تحث على تعلم اللغة التركية ثم ذكر لوكان هذا الحديث صحيحا فان تعلمها يكون واجبا وهذا امر يرفضه العقل والمنطق . وبعد مائة وتسعين سنة من وفاته نسخ عالم دمشقي بخط يده كتاب ديوان لغات الترك، وهي النسخة المحفوظة حاليا في المكتبة الوطنيه باسطنبول وقد طبع لاول مرة في تركيا في مطبعهء عامرة باسطنبول سنة1914 _1916 في ثلاث مجلدات و افضل ترجمة مع الفهارس وصورة طبق الاصل له تم نشرها من قبل الاستاذ بسيم اتالاي في خمسة مجلدات بين الاعوام 1939-1943 في المجمع اللغوي التركي ثم نشرت عدة ترجمات للكتاب وبحوث كثيرة عنه مع طبعه نسخة طبق الاصل من قبل الكثيرين من العلماء في روسيا والمانيا وفرنسا والمجر ، وفي عام 1928، نشرالمستشرق الألماني كارل بروكلمان أجزاء من هذا المعجم ، ثم اختار مجموعة من القصائد والأمثال فيه ونشرها في كتيب صغير. ، كما طبع ونشر كتاب ديوان لغات الترك" الأصلي باللغة العربية. وفي عام 1960، نشر في الاتحاد السوفيتي "ديوان لغات الترك" باللغة الأوزبكية، وفي عام 1981، بدأت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية نشر هذا المعجم باللغة الاويغورية بمجلداته الثلاث، وفي عام 2000، نشر هذا المعجم باللغة الصينية. وهكذا فإن "ديوان لغات الترك" ترجم إلى أكثر من عشر لغة من لغات العالم حتى الآن.
؛ فلهذا الكتاب قصه غريبة ذكرها كل من تناول الموضوع، حيث انه( اخفي لمدة 800 سنة ولم ير النور و في بداية القرن الماضي عثر رجل تركي اسمه علي أميري علي هذا الكتاب في أماكن بيع الكتب القديمة في مدينة اسطنبول. ثم عرضه للسيد كليسه لي رفعت، وهذا الاخير رتبه ترتيبا جيدا و أعاد تنظيم صفحاته المبعثرة، ثم طبع الكتاب بعد ثلاث سنوات من العثور عليه.و قد أراد الكثير من علماء اللغة التركية في العالم التركي( في أذربيجان و تركستان الشرقية و غيرها ) ترجمة هذا الكتاب إلي اللغات التركية المحليه، إلا أنهم لاقوا حتفهم علي أيدي المحتلين الروس في الاتحاد السوفيتي السابق و المحتلين الصينيين في تركستان الشرقية(اويغورستان). ففي ( العهد السوفيتي في الفترة بين 1935-1937م، كلف فرع الأكاديمية السوفيتية بأذربيجان سعيد هوجاييف لترجمة هذا الكتاب إلي اللغة الأذربيجانية، إلا انه قُتل بسبب ترجمته لهذا الكتاب. و في الصين عام 1937م اغتيل الشاعران الاويغوريان كوتلوك شوقي و محمد علي بسبب ترجمتهما هذا الكتاب إلي اللغة الاويغورية، كما قامت السلطات الصينية بحرق الترجمة. و عندما قامت الدولة الاويغورية عام 1944م ، أراد الاويغور ترجمة هذا الكتاب مرة أخري إلي لغتهم ، و عهدوا إلي العالم الشهير اسماعيل دامولام بترجمة هذا الكتاب، و بعد انتهائه من ترجمة الجزء الأول منه، تحالف الروس والصين للقضاء علي الدولة الاويغورية الوليدة و قتلوا العالم اسماعيل دامولام أيضا. و بعد القضاء علي الدولة الاويغورية، جعلت الصين من اويغورستان المسلمة مقاطعة صينية ذات حكما ذاتيا. إلا أن الأويغور لم ييأسوا و لم يستسلموا، و استمروا في محاولاتهم لترجمة كتاب ديوان لغات الترك؛ فخصص سيف الله سيف الدين حاكم مدينة كاشغر الاويغورية مبلغا من المال و كلف الشاعر و المؤرخ الاويغوري أحمد ضيائي لترجمة هذا الكتاب. و تمت الترجمة بين عامي 1952- 1954م، و أرسل حاكم مدينة كاشغر المترجم إلي بكين لطبع الكتاب، إلا أن قوات الأمن الصينية ألقت القبض عليه بتهم زائفة و حُكم عليه بالسجن لمدة عشرين عاما، و قُتل تحت التعذيب . و في الفترة بين1960- 1963م، ترجم مترجم اويغوري آخر يدعي صيرامي هذا الكتاب، فلاقي هو كذلك حتفه مع حرق الترجمه. و لم يتوقف الاويغور عن المحاولات المستمرة لترجمة هذا الكنز الثمين، حتي خرجت ترجمة الكتاب للنور في الفترة بين1981 - 1984م وتم طبع عشرة آلاف نسخة منه باللغة الاويغورية.
المعجم ومؤلفه موضوع لكثير من الرسائل الجامعيه والبحوث والدراسات في تركيا والدول الناطقه باللغة التركيه وفي تركستان الشرقيه. كما قام الخبراء والمتخصصون بدراسات وبحوث عن هذا الديوان في بريطانيا واليابان والولايات المتحدة والنمسا وروسياوغيرها من دول العالم