بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رفق الغرب و وحشية المسلمين
قد يستغرب البعض عنوان هذا المقال، لكنني هنا أنقد تلك "البروباغندا[1]" الإعلامية التي يقوم بها الإعلامُ الغربي في محاولته للإساءة إلى الإسلام وإظهاره في ثياب الوحشيَّة والرجعية، ومن ذلك ما نشرتْه جريدة "اليوم السابع الإلكترونية" في يوم الخميس الموافق 18 نوفمبر2010 نقلاً عن صحيفة "لوس أنجلوس تايمز": احتجاج نُشطاء حقوق الحيوان على الطريقة التي يتمُّ بها معاملة الماشية التي تُذبح في عيد الأضحى، وزعمهم أنَّ التجار والجزَّارين يعاملون الحيوانات بطريقة وحشيَّة، وكذلك دعوة إحدى المنظمات الأستراليَّة لحقوق الحيوان الحكومة الأسترالية لوقْف بيع الحيوانات لدول الشرق الأوسط، وادِّعاؤهم أنَّ عيد الأضحى أصبحَ يمثِّل أسوأ وقتٍ للحيوانات بالشرق الأوسط، وكأنَّ ذَبْح الحيوانات يقتصر على العرب والمسلمين في عيد الأضحى، كما قامتْ إذاعة الـ"BBC" يوم وقفة عيد الأضحى المبارك بإذاعة برنامج حول ذَبْح الأضاحي، وكان مدارُ الحلقة على أنَّ الحيوان المذبوح يتعذَّب قبل الموت.
هكذا أصبح الغرب لا همَّ له إلا انتقاد الأوضاع في العالَم الإسلامي، ومراقبة وتحليل كل ما يحدث في داخله.
وإحقاقًا للحق، لا بد وأن نعترفَ أننا نجد - وللأسف الشديد - العديدَ من الجزارين يسيئون في معاملتهم للماشية قبل وأثناء ذَبحها، ولا شكَّ أنَّ هذا خطأ جسيمٌ، فدِينُنا يأمرنا بالرحمة حتى مع الحيوان، ونبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أول من أَرْسى حقوق الحيوان، وحثَّنا على حُسن التعامل مع الحيوانات عند ذَبْحها، وقد استنبط فقهاء المسلمين من القرآن والسُّنة شروطًا وآدابًا ينبغي مراعاتها عند القيام بتذكية الذبائح، وليس هذا محلاًّ لسرد جميعها، ومن هذه الآداب: الإحسان إلى الذبيحة بعمل كلِّ ما يُريحها عند القيام بتذكيتها، واستخدام آلة حادَّة، والقيام بالذبح بسرعة وبقوة؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله كَتَب الإحسان على كلِّ شىءٍ، فإذا قَتلتُم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذَبَحتم فأحسنوا الذبح، وليُحِدَّ أحدُكم شَفَرته، فليُرِحْ ذَبيحته))[2].
كما أمرَنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نحدَّ الشفرة بعيدًا عن نظر الذبيحة، فعن ابن عباس، قال: مرَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على رجلٍ واضعٍ رجلَه على صفحة شاة، وهو يحدُّ شَفَرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: ((أفلا قبل هذا، أوَ تريد أن تُميتَها موتتين؟))[3].
كذلك من آداب الذبح: أن تُقاد الذبيحة إلى مكان ذبحها برِفْقٍ، وألا تُذْبَحَ بهيمة والأخرى تنظر إليها، وأن يتمَّ عرض الماء على الذبيحة قبل القيام بذَبْحها، وأن يتمَّ استكمال قطْع الحلقوم والمرِّيء والودجين؛ حتى لا يتعذَّب الحيوان، مع مراعاة عدم المبالغة في القطْع حتى يبلغ الذابح النخاع أو يَفصل رأس الذبيحة حال الذبح، بل يحرم فعل ما يؤلِم الذبيحة قبل أن تموتَ، مثل: كسر عُنقها، أو سَلخها، أو قطْع شيءٍ من أعضائها قبل أن تموت؛ لِما فيه من الألَم الشديد لها.
تلك بعض الآداب التي يجب المحافظة عليها عند القيام بذبح الحيوانات، ومَن أراد الاستزادة، فليرجع إلى كُتب الفقه.
وإذا تأمَّلنا بعضَ الأحاديث الواردة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإننا نجد ألوانًا عديدة من مظاهر رحمته - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالحيوانات، ومن ذلك أنه نَهَى عن إلحاق الضرر بالحيوان، كتحميله أكثر مما يطيق، أو إرهاقه في السَّيْر؛ فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا سافرتُم في الخصب، فأعطوا الإبل حظَّها من الأرض، وإذا سافرتُم في السنة[4]، فأسرعوا عليها السَّيْر))[5].
كما نَهَى عن اتخاذ الحيوان أداةً للَّهْو، كجَعْله غرضًا للتسابق في رَمْيه بالسهام[6]، فعن سعيد بن جُبير قال: مرَّ ابن عمر بفِتْيَان من قريش قد نصبوا طيْرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئة من نَبْلهم، فلمَّا رأوا ابن عمر، تفرَّقوا، فقال ابن عمر: مَن فعَل هذا؟ لعن الله مَن فعل هذا! إن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعَنَ مَن اتَّخذ شيئًا فيه الرُّوح غرضًا[7].
وعن عبدالرحمن بن عبدالله عن أبيه قال: كنَّا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفر، فانْطلق لحاجته فرأينا حُمَّرة [8] معها فرخان، فأخذنا فَرْخيها، فجاءت الْحُمَّرة، فجعلتْ تفرش[9]، فجاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((مَن فَجَعَ هذه بولدها؟! ردُّوا ولدها إليها))[10].
تلك بعض الأحاديث التي تدلُّ على مظاهر رحمة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورِفْقه بالحيوان، وأمره بالإحسان إليه عند ذَبْحه.
وقبل أن أضعَ القلم أريدُ أن أوجِّه رسالة إلى الغرب الذي يتشدَّق ويتغنَّى بالحقوق والحريَّات، ويريد أن يظهرَ وجهه البشوش واللطيف، مقابل ذلك الوجه القاسي مَنزوع القلب والإرهابي للإسلام والمسلمين، فأقول: من كان بيته من زجاج، فعليه ألاَّ يقذفَ غيرَه بالحجارة، وعلى الغرب أن يعلمَ أن ذَبْحَ الحيوان أرحمُ من قتْله عن طريق القذْف بالرصاص أو الصعق بالكهرباء، فضلاً عن قتْل الأبرياء من البشر شرّ قِتلة، فلماذا يتغاضَى الغرب عن المجازر التي تقوم بها قوَّاته المحتلة في العراق وأفغانستان، وما يقوم به الصهاينة في فِلَسطين من اعتداءات وحشيَّة على الشيوخ والنساء والأطفال، وما يحدث في سجون أمريكا السريَّة، وفضائح سِجْنَي غوانتنامو وأبو غريب؟! هل كل هذه المجازر والفضائح لَم تحرِّك لكم ساكنًا، ثم تهبُّون دفاعًا عن كيفية ذَبْح الحيوانات عند المسلمين، وأنَّ فيها تعذيبًا ووحشيَّة؟!
على الغرب أن يعلمَ أن الذبْح أفضل طريقة لتصفية دماء الحيوان الذي يحمل ضررًا بالغًا إذا تُرِك في الحيوان، كما هو الحال في الصعْق بالكهرباء.
وقد أثبتتِ العديد من الدراسات والأبحاث التي ظهرتْ مؤخَّرًا بالدلائل القاطعة مَخاطرَ وسلبيَّات طرق قتْل الحيوانات فيما عدا التذكية الشرعية، وكان من أشهرها دراسة: (ريبيكا سميث Smith Rebecca) عضو الفيفا (Vegetarians International Voice for Animals “viva) ، والتي بيَّنتْ من خلالها مخاطرَ طُرق التدويخ المعتمدة بدقَّة وشموليَّة، وأوضحتْ أنَّ غالبيَّة الحيوانات فاقدة الوعي ترجِع إلى وعيها أثناء نزْفها قبل أن تموت.
كما أكَّد بحث آخر للدكتور (Schultz) من جامعة "هانوفر" بألمانيا أنَّ الآلام التي رصدها الرسم الدماغي بسبب "التدويخ" لا يُمكن مقارنتها بالذبْح الشرعي الذي لَم يُظْهر أيَّ آلام للذبيحة، وزادَ أنَّ القلب يتوقَّف بسرعة أكبر؛ وهو ما يؤدِّي إلى تسرُّب الدماء إلى اللحم[11].
هذا، وقد نشَر موقع "إسلام ست" والصادر عن "المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية" بحثًا بعنوان: "الذبح الإسلامي: عِلْم وتعاليم، أم شعائر وطقوس؟" بمشاركة: د. مصطفى محمود حلمي وآخرين، وقد قدَّم البحث بالتحليل العلمي الردَّ على الافتراءات الموجَّهة لطريقة الذبح الإسلامي، وجاء فيه: وفي خلاصة التجارِب التي أُجْريتْ، وبتحليل نتائج المشاهدات الحقلية، تبيَّن أنَّ الذبح الإسلامي أكثر الطرق المعروفة إنسانيَّة، وأفضلها صحيًّا، وأصلحها عمليًّا وعلميًّا، فباتِّباع تعاليم الشريعة الإسلامية، تنتفي أيُّ تأثيرات نفسية، أو انعكاسات عاطفية؛ من قسوة، أو إثارة لغريزة القتْل، أو تعوُّد على سَفْك الدماء.
وقد أجرى الباحثون مقارنة بين نسبة النزف بين ذبائح الطرق المختلفة، وأثبتت المقارنة أن الطريقة الإسلامية تفوَّقتْ تفوُّقًا واضحًا في ضمان خروج نسبة أكثر (إحصائيًّا) من الدماء من جُثث الذبائح، ولا شك أنَّ إزالة أكبر قَدْر ممكن من الدم من أهم مُتطلبات الذبح؛ حيث يضمن فترة صلاحيَّة طويلة للحوم، وطعمًا شهيًّا، وتسويقًا ممتازًا؛ حيث يُعتبر الدم أفضل وسط لتكاثُر الميكروبات - الكائنات الدقيقة - علاوة على ما يُسببه من تبقُّع باللحم، ويُفسد مظهرها[12].
ولا يفوتني أن أوجِّه دعوة إلى أصحاب محلات الجزارة والدواجن: أين أنتم من هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي يدْعونا إلى التسامُح في التعامل مع الحيوانات، والرحمة والرِّفْق بها، والإحسان إليها؟ عليكم أن تعلموا أنَّ امرأة دخلت النار في هِرَّة حبستها، فما بالكم بمن يقوم بتعذيب الحيوان؟!
والله من وراء القصد
[1] جاء في الموسوعة الحرة ويكيبيديا على الشبكة العنكبوتية: Propaganda كلمة تعني نشر المعلومات، وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل؛ بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عددٍ من الأشخاص، وهي مضادة للموضوعيَّة في تقديم المعلومات.
البروباجاندا في معنى مُبسط: هي عَرض المعلومات بهدف التأثير على المتلقِّي المستهدف، وكثيرًا ما تعتمد البروباجندا على إعطاء معلومات ناقصة، وبذلك يتمُّ تقديم معلومات كاذبة عن طريق الامتناع عن تقديم معلومات كاملة، وهي تقوم بالتأثير على الأشخاص عاطفيًّا عوضًا عن الردِّ بعقلانيَّة.
[2] صحيح مسلم، باب الأمر بإحسان الذبح والقَتل وتحديد الشفرة، حديث (5167).
[3] أخرجه الطبراني في الكبير، (11/ 332، رقم 11916)، وفي الأوسط (4 / 53، رقم 3590)، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة.
[4] السنة: الْجَدْب والقَحْط.
[5] صحيح مسلم، باب مراعاة مصلحة الدواب في السَّيْر، حديث (5068).
[6] وهذا يُشْبهه ما يُعْرَف اليومَ بمصارعة الثيران.
[7] صحيح مسلم، باب النهي عن صبر البهائم، حديث (5174).
[8] الْحُمَّرة - بضم الحاء وفتح الميم المشددة -: طائر صغير كالعصفور أحمر اللون.
[9] تفرش: أي تُرفرف بجناحيها وتقترب من الأرض.
[10] رواه البخاري في " الأدب المفرد " برقم : (382) وأبو داود برقم: (2675)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1 / 798) .
[11] موقع صيد الفوائد، الذكاة الشرعية وآثارها الصحية، خالد بن عبدالرحمن الشايع.
[12]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]دمتم برعاية الرحمن وحفظه
شبكة الالوكة