هناء ذيبان | كاتبة وأديبة يمنية.
تحاكي المحبة دائمًا الأشياء الجامدة، وتغمرها بوهج الحياة والأمل، وتشيع داخلها كل ملامح الجمال الطبيعي الذي طالما سمح ببناء الفرح وملامح العيش الهادئ!
تُطرح المحبة عندما يسود فائض من قوافل الإنسانية التي يحتاجها الناس، واعتادت على تلوين حياتهم بعبق آسر من البهجة والنشوة، وتفاصيل لحظات الصفاء!
تعود الحياة إلى ألقها عندما نصافح المحبة بمفهومها الشامل، وعندما نُحمل داخلها إلى ذلك المدى اللامتناهي. لكن هل هذا الانعتاق الذي نحصل عليه أحيانًا من سلاسل الواقع المحبط، ونتعاطى معه بفرح تلك الحكاية التي عادة ما تبدأ بها لحظات الحياة التي نحاول الإمساك بها، بعيدًا عن تعايشنا مع ذلك الامتداد المخيف لتفاصيل الحياة اليومية؟ هل هو هروب متواصل من ذلك الهجوم المرير كل يوم لهؤلاء المعادين للحياة وجمالياتها؟ هل هو ضوء الشمس المحتجبة منذ زمن رغم الحاجة المفرطة لظهورها، لتشع وتذيب هذا الكم الهائل من مظاهر الحسد والغيرة والعدوان المشتعلة بين الناس؟
تحتفي بالمحبة لأنها لم تعد تُسمع كثيرًا أو يُنصت لها! ولأنها تتحرك رغم فتنتها داخل إطار يمارس فعلها عن من اعتادوا الاحتفاء بها، وطرح بدائل لها تضع الحياة على كف التناحر والخوف، وعدم الأمان!
تصدم أحيانًا بشخص ما فجأة، وضمن موقف مفاجئ ما، مما يحمله لنا في داخله من كمّ عدم الحب، من البغض الذي يمتلئ به نحونا، من فائض الكراهية التي اكتست بها ملامحه دون سبب، ودون وجه حق.
تصدم في موقف عارض أو غير مخطط له، بما يحمله لنا من جحود رغم كل تلك الأيادي التي مددناها له ذات يوم. تصدم من موقفه الغريب، ونحن من كنا ننتظر الامتنان بابتسامة وليس بشيء آخر. نتذكر نفاقه المفرط، وكيف أننا لم نكن نستسيغه، لكن لم نكن نتوقع هذا الحقد داخله! لم نتوقع أن يحمل لنا ولغيرنا هذه العداوة الصامتة التي بدت اللحظة، وانفجرت رغم عدم تصادمنا به أو حتى الحديث بما يفتح أبوابها!
لا تدينه، فمثله لا يدان، لأنه لا يملك من أمره شيئًا، ولأنه كثير الاحتفال بتلك المساحة الضيقة التي اعتاد أن يشفرها دومًا في حياته العامة والخاصة! لا تلُم من يفتح أبواب العداوات مع الآخرين، لأنه دومًا يشعر أنها امتداد لداخله المفعم بالكراهية للآخرين!
قد تقبل بالعداوات المكشوفة لأنها تعيد التوازن الذي كان سيبقى مفقودًا لأزمنة طويلة داخل رداء النفاق! وقد تقبل بالعداوات الصامتة لأنها تكشف عن حقيقة الشخص الذي تتعامل معه، ولا تجهدك أبدًا في محاولة معرفته!
مثل هؤلاء الذين اعتادوا على معاداة الآخرين سواء كان نجاحهم مدويًّا أو اعتياديًّا، وسواء كانوا يمتلكون محبة الآخرين أو يبحثون عنها، لا يمكن فصلهم عن عداواتهم ودواخلهم المتعثرة في أبجديات تفنيد حروف المحبة الأولية، وعدم القدرة على النطق بها! لا يمكن إخراجهم إلى الطريق الأرحب أو التعامل معهم إلا من خلال أنهم واقع حقيقي، مهما حاولت بوصلة الحياة الانسياب بعيدًا عنهم ولم تستطع!
واقع يسود ويعصف ويندفع بقوة أحيانًا، وبخطوات مرتبكة أحيانًا أخرى! لا مجال لطرح الأسئلة عليه أو توقع الأجوبة! فقط الحلم البعيد بأن تكون مدعوًّا لحفلة، تطهّر البعض من دواخلهم وسلسلة عداواتهم للأخرين!!!