يكشف د. فوزي أوصديق، خبير القانون الدولي – في حواره لـ”إسلام أون لاين” – عن الآليات القانونية التي يمكن القيام بها من أجل استصدار قانون دولي يمنع الإساءة للإسلام وجميع الديانات، منددا في السياق ذاته بازدواجية المعايير القانونية التي تحرم المسلمين في الدول الغربية من حرية التعبير والمعتقد وتحث على ترسيخ الكراهية تجاههم.
حاوره: مصطفى فرحات
قامت الجريدة الفرنسية “شارلي إيبدو” بنشر رسوم مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما فعلت عقب أزمة الرسوم الدنماركية في 2005، ما هي دلالات ذلك؟
بداية، هذا النشر يجب أن يوضع في سياقه، فهذه ليست هي المرة الأولى التي تقوم بها جريدة “شارلي إيبدو” بإهانة المسلمين من خلال خدش مقدساتهم والاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم. هذه العملية تشبه النار المشتعلة المتنقلة من مكان إلى مكان، وذلك بهدف الفتنة وتصوير المسلمين بصور وأنماط سلبية. من جهة أخرى، حرية التعبير لا يعني بحال أنها حرية مطلقة، بل هي حرية مقيدة ليس في الدول العربية والإسلامية فحسب بل حتى في الدول الغربية، ولو أخذنا فرنسا كمثال فهي قد تمنع نشر أشياء بحجة تعارضها مع النظام الجمهوري، وهذا يذكّرنا بقضية البرقع الذي تم منعه في الأماكن العمومية بحجة أنه مخالف لقوانين الجمهورية، واحترام الأنبياء جميعهم من صميم العقيدة الإسلامية، وهذا خط أحمر وغير مقبول انتهاكه جملة وتفصيلا.
هل سبق وأن عرف المجتمع الدولي قوانين تُجرم الإساءة للمقدسات الدينية؟
للأسف لم يسبق وأن وجد قانون في هذا السياق، نعم وجدت بعض القوائم التوجيهية أو القوانين الناعمة غير ملزمة، وهي لم ترتق إلى درجة الإلزام، وكانت عبارة عن اجتهادات وتخمينات لا غير. وكم من مرة تُطالب الأمم المتحدة إلى سن مثل هذه القوانين ولكن دون جدوى، لهذا يجب فرض ذلك بطريقة مختلفة، عن طريق التجمعات الإقليمية كمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، ثم المطالبة بتعميم هذه الاتفاقيات على المستوى الدولي.
وما هي المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى استصدار قانون عالمي بهذا الشأن؟
يمكن القول إن هناك ثلاث مسارات: المسار الأول على مستوى الدول. وأغتنم هذه الفرصة لأشكر بعض الدول التي قامت باستدعاء السفراء وإبلاغهم رفضها لمثل هذه الأعمال وتقديم احتجاجات رسمية، مثل مصر والسودان، أو برفع دعاوى قضائية داخل هذه الدول على خلفية أن دساتيرها تعتبر الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع، دون إغفال جانب الجهاد بالفكر والقلم لإحقاق الحق.
المسار الثاني يتم على مستوى آليات الأمم المتحدة المتاحة. توجد آليات تعهدية وغير تعهدية، وهناك لجان لحقوق الإنسان على المستوى الغربي مثل اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان، وعلى الجاليات المسلمة والمسلمين الغربيين أن يرفعوا دعاوى تجاه هذه التصرفات، وقد يتم التوصل عن طريق القضاء إلى ما لا يمكن التوصل إليه عبر الهيئات التشريعية، وتتحول الأحكام القضائية إلى مرجعيات إذا حدثت أمور مماثلة مستقبلا. المسار الثالث يأتي على المستوى الدولي، حيث يمكن العمل على فرض اتفاقية دولية في هيئة الأمم المتحدة عبر تحريك الرأي العام العالمي والمؤسسات الإعلامية والسياسية من أجل نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لا تتكرر هذه الأخطاء التي أصبحت للأسف الشديد عادة تتكرر مرات في السنة بعد أن كانت ظاهرة شاذة في سنوات ليست بعيدة. ونتمنى أن لا تكون هذه الأفعال دالة على ثقافة غربية متجذرة في زرع الكراهية بقدر ما هي سحابة صيف عابرة.
الطرف الثاني المتحفظ أو الرافض يخاف على مستقبل حرية التعبير إن تم استصدار قانون بهذا الشأن، ما رأيكم؟
ألا يعتبر منع البرقع أو الخمار تعديا على حرية المعتقد والفكر؟ ألا يُمثّل تجريم الباحثين المشككين في المحارق اليهودية تعديا على حرية الفكر؟ للأسف القوانين وحقوق الإنسان أصابتها ازدواجية المعايير، وهناك مؤشرات تدل على هذا، لكن إن كنا نزعم أننا نرغب في تشييد عالم يسوده الوئام والسلام وينبذ العنف والكراهية، يجب أن نضع قواعد وأسسا تكون هي معالم لصيانة حرية التعبير والمعتقد والنظام العام وأيضا تكفل قداسة المعتقدات. ولو تم سنّ قانون في هذا الشأن ستتدعم حرية الفكر والتعبير وفي نفس الوقت تنقص مفردات الكراهية والحقد ولن تعود المفردات والمصطلحات التي يستعملها الغرب باعتبارها قيما إنسانية سيفا يهدد العالم الإسلامي في حين يتم السكوت عن كل ما يتعلق بالانتهاكات التي تطال المسلمين.
كما في كل مرة، تأتي ردود أفعال بعض المسلمين على نقيض مقصد الانتصار للحق والرسول صلى الله عليه وسلم صاحب المُثُل العُليا.. وذلك عبر القتل والتخريب. كيف يمكن للمسلمين إدانة هذه الاستفزازات دون الوقوع في أخطاء تشوه صورتهم أكثر؟
صور التقتيل والعنف مرفوضة شرعا وقانونا ويجب محاربتها، ولكن هناك المظاهرات السلمية لمناصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإظهار الغضب التي رأيناها من المغرب إلى أندونيسيا. أحيانا وبإعلام موجّه يتم تسليط الأضواء على التصرفات الخاطئة بحجة إعطاء صور سلبية عن المسلمين، وهذه الصورة السلبية يمكن إسقاطها على الغرب من خلال هذه الاعتداءات المقصودة والممنهجة من أجل الإساءة للإسلام والمسلمين.